روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | مـن تناقضــات الدعـاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > مـن تناقضــات الدعـاة


  مـن تناقضــات الدعـاة
     عدد مرات المشاهدة: 2981        عدد مرات الإرسال: 0

أرجو ألا تلومني أخي القاري على هذا المقال، لأن الحديث فيه يختص بالدعاة أنفسهم، لأننا تعودنا أن نوجه النصح والعتاب واللوم إلى الآخرين، ولم نحاول أن نلتفت لأنفسنا بالنصح والتوجيه، أو النقد بسبب الإعتقاد الراسخ لدى بعضنا أننا القدوة والمثل للمدعوين، وبهذا قد تجاوزنا دائرة نقد الذات لنقد الآخرين، وهذا تفكير خاطئ يجب أن نطرحه جانبا، لاسيما في هذا العصر الذي بدت فيه هفوات الدعاة، وتناقضهم مع ما يدعون الناس إليه، تزداد يوماً بعد يوم، على نحو يجعل كثيراً من الناس يرتابون في سلوك بعض من يعمل في حقل الدعوة والتربية، ومخاطبة الناس بإسم الدين، وهذه نظرة خطيرة تحط من شأن الدعاة المخلصين، وتفت في عضد ركن من أركان نشر الإسلام وتوضيحه للناس، وهو ركن الدعوة إلى الله تعالى.

ولهذا وقفت مع نفسي كثيراً في الكتابة لهذا الصنف من الدعاة الذين يتساقطون في أعين الناس، بسبب أفعالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، هل أعتبرهم من المنافقين؟ فقلت لنفسي: إن النفاق عمل قلبي لا يعلمه إلا عالم الغيب، ولست في مقام القاضي على هؤلاء.

قلت هل أعتبرهم مخطئين؟ كلا، لأن الخطأ وارد على كل بني آدم سوى الأنبياء عليهم السلام، والخطأ أمره بيِّن يعرفه كل الناس، والمشكلة عند هذا الصنف أنه لا يفكر أنه على خطأ.

إذن تبدو صفة التناقض من أنسب الصفات من وجهة نظري لتلائم الحديث الموجه لهؤلاء.

أذكر لك أخي الداعية بعض التناقضات التي يأخذها الناس على بعض الدعاة على سبيل المثال لا الحصر فيما يأتي:

1= حب الظهور على الملأ، فإن إجتمع الملأ حوله صاح فيهم كأنه منذر جيش، فإن خلا مجلسه من الجمهور لا تسمع له همساً.

2= حب شهوة الكلام، فتراه يهرف بما لا يعرف.

3= التجارة المادية بالدعوة، فبقدر ما تدر له من مال يكون عطاؤه.

4= التربص للإنقضاض على من سبقه فضلا وعلماً.

5= أن يتخذ لنفسه من سخونة الأحداث وسيلة لصناعة قيادة ثورية.

6= الحديث عن إخوانه العلماء أمام الملأ بالهمز واللمز.

7= الإطناب في الحديث عن نفسه، كأنه وحيد دهره وفريد عصره.

8= البحث عن معضلات المسائل التي تثير إنتباه الناس للإلتفاف حوله.

9= خطاب الناس بأسلوب قاسٍ منفرٍ يصد الناس عن قبول الحق.

10= التمسك بمذهبه دون مراعاة مذهب المجتمع الذي يعيش فيه.

11= عدم التحضير الجيد للمادة العلمية التي يلقيها على المستمعين.

12= الإنهماك في العمل الدعوي -لمن كان مخلصا ً منهم- على حساب بيته وأولاده.

13= الإهمال في المحافظة على سمت بيته، وأولاده من الإلتزام بالإسلام في المناسبات العامة، فترى الأم كاسية، والبنت عارية.

14= الإكثار من ثرثرة الكلام، والكلام الفكاهي لإضحاك الناس.

15= التواري عن الأنظار ساعة الجد والطلب، مع يقينه بحاجة الناس إليه.

16= الإسراع عند الغنائم والتباطؤ عند التضحيات.

17= حب العزلة وعدم مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم.

18= بخيل على بيته، وإخوانه فتراه يقطر بخلاً ولو جمع مال الدنيا بين يديه.

19= مهمل في إتقان تخصصه، ويقضي معظم وقته في إتقان تخصص غيره.

20= يؤثر السلامة دائما، ولا ينشغل بواقع أمته.

21= يؤثر القراءة في الكتب الصفراء الباردة التي تجمد عاطفته، وتثبط همته، وتضعف إرادته.

22= كسول في المواظبة على الصلوات في أوقاتها.

23= التسرع في إصدار الأحكام دون إستشارة ذوي الإختصاص، أو الأقران.

24= يستعظم أن يقول -الله أعلم- لئلا يتهم بقلة العلم.

25= مهمل في المحافظة على أوراده، فإن إنشغل بالدنيا إنشغل عن ورده.

26= متهاون في حفظ أسرار الناس.

27= لا يتورع عن تناول الشبهات.

هذه بعض التناقضات تراها في أناس تصدروا المشهد الدعوي، تعرف منهم وتنكر، وتنظر إليهم، وتبغض، تزداد منهم حسرة وندامة على ما آل إليه حالهم، أو قل حال الدعوة إلى الله على أيديهم، بل وحال الأمة، باعوا دينهم بدنيا غيرهم نسأل الله العفو والعافية.

ولا يسعني المجال لتفصيل ما ورد ذكره، غير أنني أقرأ قول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا*وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف175ـ176]، وأستمع إلى الإمام الرازي فيه يقول: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّمْثِيلَ مَا وَقَعَ بِجَمِيعِ الْكِلَابِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْكَلْبِ اللَّاهِثِ، وَأَخَسُّ الْحَيَوَانَاتِ هُوَ الْكَلْبُ، وَأَخَسُّ الْكِلَابِ هُوَ الْكَلْبُ اللَّاهِثُ، فَمَنْ آتَاهُ اللَّه الْعِلْمَ وَالدِّينَ فَمَالَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ، كَانَ مُشَبَّهًا بِأَخَسِّ الْحَيَوَانَاتِ، وَهُوَ الْكَلْبُ اللاهث -تفسير الرازي 15/ 405.

تُرى هل بين الدعاة اليوم كلاب لاهثون، مالوا إلى الدنيا وباعوا الدين، وفتنوا خلق الله عن دينهم، وأضحوا عبئاً ثقيلاً على أمتهم، الضرر منهم أكثر من النفع، من نظر إليهم ازداد من الله بعداً ومن الشيطان قرباً؟

¤ سؤال أترك الإجابة لك أيها القارئ.

لكن يلزمني هنا التذكير لنفسي، ولهؤلاء بهذه الهمسات:

روى عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ لِأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلاَ أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ: قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ» -رواه البخاري ج4/121 رقم 3267.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخلت على عثمان رضي الله عنه وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظرت إليها شزراً وتأملت محاسنها، فقال عثمان رضي الله عنه لما دخلت: يدخل علي أحدكم وأثر الزنا ظاهر على عينيه، أما علمت أن زنا العينين النظر، لتتوبن أو لأعزرنك، فقلت أوحي بعد النبي، فقال: لا، ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة -إحياء علوم الدين للغزالي 3/25 دار المعرفة بيروت.

وبقوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأعراف:169].

قال قتادة في الآية: أَيْ وَاللَّهِ لَخَلَفُ سُوءٍ وَرِثُوا الْكِتابَ بَعْدَ أنبيائهم ورسلهم أورثهم الله وعهد إليهم، وقال الله تعالى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ} [مريم:59]، قَالَ: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا، تَمَنَّوْا عَلَى اللَّهِ أَمَانِيَّ وَغَرَّةً يَغْتَرُّونَ بِهَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ لَا يشغلهم شَيْءٍ وَلَا يَنْهَاهُمْ شَيْءٌ عَنْ ذَلِكَ كُلَّمَا هف لهم شيء من الدنيا أكلوه لا يُبَالُونَ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا -تفسير ابن كثير ط العلمية3/449.

وختاماً لا تنس أن تكرر على مسامعك دوما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3].

اللهم سلمنا من شرور أنفسنا وأعمالنا، وإستعملنا لطاعتك، ولاتفتنا في ديننا، ونعوذ بك من علماء السوء، وعلم السوء، وقول السوء وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الكاتب: د. عبد التواب مصطفى خالد.

المصدر: موقع لهَـا أون لآين.